كنت أجمعُ أحذية النساء القادمات إلينا وأتظاهرُ بأنني أرتبُ البيت، خلسةً كنت انتعلُ الكعب العالي... أرفع تنورتي لفوق ركبتي أستديرُ أمام المرآة الطويلة أقف متعامدةً مع الضوء، ارجع ظهري إلى الوراء، أحبس أنفاسي، أشدُ عضلات بطني، أدفع صدري نحوَ الأفق، وأسند يدي على خاصرتي وتنوري معلقة على مشجب أصابعي، أتطاول بعنقٍ باسق وأتمتع بمنظر سيقاني الطويلة.... ويا أرض اهتزي...
وأنا أتفتلُ بالكعب العالي، جواز سفرٍ إلى عالم سيدات راقيات...
يااااااااااه ... سعادة كانت تدغدغ أرجلي، إحساسٌ آتٍ من عالم رفيع، ذاك الذي يبدأ بالكعب العالي ولا أعرف أين يمكن أن ينتهي...
لعبة الأحذية هذه كانت ممتعة بالنسبة لي وقدوم الضيوف إلينا كان فرصة ذهبية لاكتشاف أنواع أخرى من أسرارٍ تختبئ في الأحذية ....حينما كنت أفترشُ لقدمي اليافعتين أراضين متعددة..
منها الضيقة ومنها المهترئة ومنها العالية ومنها المغبرة ومنها اللامعة ومنها المطقطقة ومنها الملتصقة بالأرض، وكان يُخيّل إلي أي أصحاب شأن هم أصحابها... حاولتُ مراراً أن أدخل قدمي في أحذية كبيرة وانظر فأرى فراغاً متبقياً فيها وكنت أتساءل متى ستكبر قدماي لأعبأ هذا الفراغ... ومع الوقت أصبحتُ خبيرة بالتجربة... وكلما كنتُ أرى إحداهن كنت أكتشفها لأول وهلة، فيما توطدت علاقتي بالنعال عبر تجربتي بانتعال حذاءٍ يلائم مقاسه مقاس قدمي.
لم يخطر ببالي أن تتحول اللعبة إلى واقعٍ أشبه بحقيقة متخيلة سقفها حد الجنون...
ذات صباحٍ ممتد لحلمٍ لم أتركه في صحوتي المتمردة وخيالي غير المنضبط، بعد استراق نظرةٍ عالية إلى عالم الراقيات، تعقد الأمر فجأة!!!
رفض الحذاء قدمي... رغم العلاقة الطيبة بينهما...ولا اعرف لماذا باءت محاولاتي بالانهزام..
والستون دقيقة تلفظ أنفاسها الأخيرة لإغلاق دائرة الثامنة!
وجربت الكثير لكنها أضيقت...وصار من الصعب إيجاد حذاءٍ ملائم لقدمي الطويلتين العريضتين قياساً لسني الصغير... ولم أخرج من البيت.
وكان علي أن أفتش عن حذاءٍ ملائم. بدأتُ أتجول بين محلات الأحذية وأسافر بعيداً لأنه لم يتوفر في قريتنا الصغيرة محلات أحذية لمقاسات كبيرة. آفاق مدهشة خلف الظلال افتتحت أمامي، وبت أعرف الكثير من الأمور المارة على درب الأحذية.. كان الأمرُ مثيراً وأنا أرى منظرها اللامع وهي تصطف بسكونٍ على الرفوف من على الواجهات الزجاجية تطلب ود المارين حباً في الانتعال، أعلق ناظري ادخل أحيانا إلى هناك.. أُمسكُ بيدي إحداهن فأراها ضيقة أو تافهة الصنع رغم أنها لامعة وجديدة.. فأنسحب!!!!!!
يا ربي لماذا كل هذا الضيق.... أما كان أن تكون قدماي أصغر اختصاراً لمشاوير الهم بحثًا عن ملاذٍ لأصابعي السائرة على هذه الأرض.... وأنا أرى الأقدام الأخرى تمشي براحتها وتستبدل ما يحلو من الأحذية وبمقاساتٍ صغيرة لكنها كثيرة ومتوفرة..
كانت أحلامي تكبر.. وسني عمري تكبر.. وأقدامي أيضًا تكبر لكن ....أحذيتي تبقى كما هي وأحياناً تضيق ...
كنتُ أخشى أن أخلع حذائي أمام الآخرين وكنت أعمل ألف حسابٍ للمكان الذي اذهب إليه إذا كان بحاجة لأصابع قدمي أن تنفس الفراغ.... وكنت التصقُ به خشية على أقدامي من أن تطول أكثر...
حتى أن آثار الدعسات التي كنتُ أتركها على الرمال كانت دائمة واضحة كأسراب بطٍ مختالٍ بعد المستنقع. ولما كنتُ أصل البيت كنتُ اخلعها عند المدخل بعد ضيق يومٍ كامل...
رددتُ في مسيرة التفتيش كلمة "وجدتها" إلى حين أنني كلما وجدتُ حذاءً ملائماً كنت أطير من الفرح وأبيته أحيانا كثيرة تحت غطائي كي يبقى معي ولا يفارقني وأتمتع بكل لحظة فرح أطيرها مع أقدامٍ وجدتُ لها أخيرًا مكانًا تطمئن فيه... وكان يكلفني تعباً مضاعفاً من البحثِ والقياس ومحاولات إقحام فاشلة في مساحات ضيقة....وفي انتعال الكعب العالي اختصاراً لمساحة ساقطة على الأرض وتطاولاً في مساحات عالية من الفضاء كنت أشعرُ بسعادةٍ غربية تهلُ علي من عوالم عليا جعلتني أتسامى عن أمورٍ تلتصق بالأرض..
والأمر تحول إلى مغامراتٍ غاية في الدهشة، في مساءات احتفالاتٍ تخصني عن بعدٍ كانت أو عن قربٍ، كنت أهملُ الهمَ طويلاً، وأحمله معي أينما أنا ..إلى الشارع، إلى العمل، إلى أي مكان..
وأفكرُ طوال الوقت، ماذا سأنتعل؟؟
حتى أنني كنتُ اشتري الحذاء أولاً ثم ألائم له فستاني على عكس الفتيات، بينما أرى الأحذية الأخرى تُنْتَعل بطريقة مدهشة في أرجلهن وكأنها فصلت إلى أقدامهن... وفي حفلة الرقص حيث يتمايلن بأجسامهن الناعمة كنت أرى استقرارهن في أحذيتهن التي تساعدهن على الحركة بينما أنا أخشى من الرقص وأبدو ملتصقةً بحذائي، وما حدث بالأمس كان غريباً..
المحلُ مزدحمٌ بالنساء. فأي توجسٍ بدأ بالخفقان في حذائي....
تظاهرت بإخفاء الحقيقة بدأتُ بطلب الأحذية ابتداءً من رقم 38 أقيسُ وأتوجعُ فاعتذر...
ثم 39 أقيسُ وأتوجعُ فاعتذر... ثم 40 أقيسُ وأتوجعُ فاعتذر ... حينها بدأت تتصوبُ نحوي أنظارهن باندهاش... وأنا أطلبُ أحذية بمقاساتٍ غير مألوفة لأقدام سنوات صغيرة في الجيل..
بلعتُ أنفاسي وطلبت 41 لأقيس، توجعت فاعتذرت لضيق القصة وغرابة اللون وأعذارٍ أخرى بينما يشتعل الغيظ في أصابع قدمي، كيفَ سأطلبُ مقاساً اكبر؟؟؟؟ والخروج دونما شراء زوجٍ منها يتطلب مني الاعتذار من صاحب المحل بعد معارك شديدة في إقحام قدمي في أحذية كثيرة كلها ضيقة...
وأنا أرصدُ أغلب مقاسات أرجلهن التي تتراوح بين الست وثلاثين حتى الأربعين وهذا ما جادت به الرفوف. تساءلتُ في سري، متى ستستقر قدماي في حذاءٍ يلائمها وتلائمه؟ وكيف سأطلبُ حذاءً يفوق مقاسه مقاس كل اللواتي في المحل؟؟؟
والأنظارُ تلتفت إلي، حاولتُ الانسحابَ بخفةٍ، سمعتُ إحداهن منهن تقول لي، "جربي هذا" وأشارت إلى حذاءٍ ما... أي إحراجٍ هذا... فهن ضيقات في أحذية واسعة وأنا أخنقُ وسعي في أحذية ضيقة......
صوبتُ نظري إليها... فإذا بها امراةٌ تافهة... فرمقتها من خلف كتفي وقلتُ وأنا أغادر:
"سأتركه لكِ ..فأنا لا التفتُ إلى الأشياء الضيقة... "